الثلاثاء، 10 يوليو 2012

( ترك التلبيس على الناس )

 
  
روى ابن سعد (1) أن عمر رأى على طلحة  رضي الله عنه  ثوبين مصبوغين بمِشْق (2) وهو مُحْرِم ,
فقال : ما بال هذين الثوبين يا طلح ؟
فقال : يا أمير المؤمنين إنما صبغناه بمَدَر (3) 
فقال عمر " إنكم أيها الرهط أئمة يقتدي بكم الناس , ولو أن جاهلا رأى عليك ثوبيك هذين لقال : قد كان طلحة يلبس الثياب المصبَّغة وهو مُحْرِم " وفي لفظ " فلا تُلَبِّسوا على الناس " 
 
طلحة  رضي الله عنه  بلبسه ثوباً صبغه بمَدَر وهو الطِّين لم ير أنه خالف بلباسه هذا ما ورد من النهي عن لبس الأحمر من الثياب , لكن عمر رضي لله عنه نبهه إلى أن الجاهل قد لا يتفطن إلى أن ثوبه قد صبغ بالمدر , بل سيقول : إن طلحة كان يلبس الثياب المصبغة , وهو مُحْرِم , لجهله بما صبغ به طلحة ثوبه .
 
نُبِّه طلحة بهذا الكلام الحكيم إلى أنه إمام يُقتدَى به , وذلك يستوجب منه أن يلاحظ ما ينجم عن تصرفاته من أمور قد يُساء فهمها وينقل عنه بسبب ذلك ما لم يَدُر بخُلده أنه سيُنسَب إليه .
 
وذلك أن الناس إنما يتعاملون فيما بينهم بحسب ما يظهر لهم .
 
ولذا أتبع عمر رضي الله عنه  كلامه السابق 
بقوله : " فلا تُلَبِّسوا على الناس " فالأمر المُوهم للباطل لا ينبغي أن يظهر به مَن هم محل ُّ القدوة والأسوة ـ ولو كان لهم به قصد سليم ـ
 
ألا ما أحوج بعض الدعاة إلى الله إلى تأمل هذه الكلمات العظيمة من هذا الإمام المُحدَّث , ليكفُّوا عما فيه إرباك للناس من أقول وتصرفات تظهر منهم , ثم بعد أن يكثر القيل والقال من آثار تلك الممارسات يخرج هذا الداعي
ليقول : أنا أقصد كذا وكذا ! 
 
 فهلاَّ كفَّ عما فيه إرباك للناس ولزم الجادة البينة , وأرشد الناس بالأسلوب الواضح الجلي ؟
 
إن كون الرجل محل قدوة بسبب ما مَنَّ الله به عليه من العلم يستوجب منه سَمْتًا وهَدْيًا يراعي فيه ماَلات الأمور وعواقبها , حتى لقد قال الأوزاعي " كنا نضحك ونمزح , فلما صرنا يُقتدَى بنا خشيت أن لا يسعنا التبسُّم "(4)
 
فإذا لم نصل إلى هذا الحد الجليل من السَّمْت فلا أقل من أن نلاحظ ما قاله عمر  رضي الله عنه  " لا تلبِّسوا على الناس "
 
 
الكاتب  الشيخ عبدلله بن عبدالعزيز العنقري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
1ـ 3/220،219
 
2ـ المشق بالكسر المَغَرة , وهي المدر الأحمر الذي تُصبَغ به الثياب , انظر النهاية (4/345،334)
 
3ـ المدر هو الطِّين , كما في النهاية (4/309)
 
4ـ سير أعلام النبلاء للذهبي (7/132)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق