الثلاثاء، 14 فبراير 2012

فشل الفكر الليبرالي

فشل الفكر الليبرالي
بقلم : عبدالعزيز بن سعود الصويتي التميمي

فليس مِن السابق لأوانه القولُ بفشَل الفِكر الليبرالي في بلادنا؛ لما نُشاهده من انقسامٍ داخلَ الطابور الليبرالي الذي يُشكِّك في وجودها ومفاهيمها وقِيَمها وفلسفتها، كما فشِلت فشلاً ذريعًا في السياسة والاقتصاد، وحِينها تذكرتُ كلامَ العلامة ابن تيميَّة الذي مضمونه: إنَّه لا بدَّ مِن وجود طائفة مِن أهل الهوى تُوافق الحق بعقلِها المجرَّد، وإنْ خالفته في موضعٍ آخرَ؛ مما يدلُّ على أن النقْل يوافِق العقل.

فمثلاً مِن القِيم المتَّفق عليها في الفِكر الليبرالي: أنَّ العبرة بالحرية الفردية، وأنه يجب على الحكَّام والبرلمانات والمؤسَّسات أن تُذلِّل كلَّ السبُل لتحقيق حرية الفرد، وباتتِ المحابُّ والمكاره تدور حولَ الفرْد نفسه، فما يحبُّه الفرد فهو مشروعٌ له ولو كان الكفرَ بالله والطواف بالقبور وشُرْب الخمور، وما يكرهه فهو ممنوعٌ عنه، ولو كان التوحيدَ والطواف بالبيت المعمورَ، ويُسمَّوْن بالفرديِّين!

ولسوء هذا الفِكر وما ينضح به مِن أنانية تفوق الخيالَ؛ عارضتْها طائفةٌ من داخل الطابور الليبرالي في الغرْب هي أقربُ إلى الحقِّ مِن الأولى، مشيرةً إلى أن العبرة برفاهيةِ المجتمع لا برفاهيةِ الفرد، وأنَّ كل ما يُسهِم في الإضرار بالمجتمع ولو كان في سبيلِ حرية قلَّة مِن الأفراد فهو ممنوع، وهي بهذا المفهوم الذي توصَّلت إليها بعقلها المجرَّد قريبةٌ مِن الشريعة الإسلامية التي لا تُهمِل مصالِح الفرد ولا مصالِح الجماعة، غير أنَّها عندَ التعارُض تقدِّم المصلحةَ العامَّة على المصلحة الخاصَّة

ومِن القِيم المتَّفق عليها عندَهم فرض (المساواة) على المجتمع لتحقيق الحرية؛ إذ إنَّ السماح بتفاضُل الأفراد بعضهم على بعض يجعل الفاضلَ يتعالَى على المفضول، والقويَّ يتسلَّط على الضعيف؛ وحينئذٍ لن تكونَ حرية للضعفاء المساكين.

وعارضتْها طائفةٌ مِن داخل الطابور الليبرالي بأنَّ فرض المساواة يتنافى مع الحرية غايةً وهدفًا، فمن حيث الغايةُ فإنَّ الحرية التي مضمونها ألاَّ يُفرض على الفرد شيءٌ ألبتة بأنْ يعيش في هذه الدنيا سُدًى لا يُؤمَر ولا يُنهى، كما قال - تعالى -:: ﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ﴾ [القيامة: 36] يتعارَض مع فِكرة أن تُفرَض المساواة على المجتمع فرْضًا.

وأمَّا تعارض المساواة مع الحرية في الهدفِ والثمرة، هو أنَّ الحرية تؤدِّي إلى أن يزداد القويُّ والغنيُّ قوةً وغِنًى، ويزداد الضعيف والفقير ضعفًا وفقرًا، وهذا يؤكِّد أنْ لا مساواة في المجتمع الليبرالي.

بينما الإسلام توسَّطَ في هذا الباب؛ فجعَل مساحةً كبيرة من المشروعات تتمثَّل في أنَّ الأصل في العادات الإباحة، لكنَّه مع هذا فرَض أمورًا تضبط الأمر، من عدم استغلال الضعفاء والفقراء، بل وتكفَّل لهم بحقِّ في الأبدان والأموال، منه ما هو واجب؛ كمساعدةِ المضطر بدنًا ومالاً، ومنه ما هو مستحبٌّ، في تفصيلٍ يطول بسطُه.

والإسلامُ أمَر بالعدل ولم يأمر بالمساواة بإطلاق، وبيْن العدل والمساواة فرْقٌ لا يَهتدي إليه الشهوانيُّون؛ إذ العدلُ هو المساواة بين المتماثلين والتفريق بيْن المختلفين، فمتَى حصَل التماثُل وجبتِ المساواة، كالمساواة بين المجتهدين والغنيِّين والفقيرين، والبصيرين والعالمين والجاهلين وغيرهم، ومتَى حصَل الفرق وجبَ التفريق بينهما؛ كالتفريق بين العالِم والجاهل، والأعمى والبصير، والحي والميت، والذكر والأنثى... وهكذا، كما قال - تعالى -: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر: 9].

وبهذا يظهر عوارُ الفِكر الليبرالي إذا نظَرْنا إليه مِن داخله، وبشكل سطحي، أمَّا إذا تعمَّقْنا في الفِكر الليبرالي، وتأمَّلنا في لوازمه وما يؤدِّي إليه؛ فسنجد الفضائحَ التي لا تَتَناهى، والجرائم التي لا حصْر لها، مِن تجويز الشِّرْك بالله تعالى، والزِّنا، وشرب الخمور، وغيرها ممَّا أستحي أن أذكُرَه هنا.

فإذا كان هذا الفكرُ الليبرالي بهذا المستوى مِن السذاجة والإسفاف، أتراه تقوم له قائمةٌ في بلاد التوحيد بلادِ النَّقْل والعقل؟!

وممَّا يَزيد في ضعف استمرار هذا الفِكر في بلادنا أنَّه يعيش بدون رأس، وهو يتماهى مع طبيعته التي لا ترْضى أن يكونَ له رأسٌ في مخالفةٍ صارخةٍ للفِطرة؛ ولهذا تجد أنصاف المثقَّفين يتسنَّمون الأعمدة، ويتطاولون على العُلماء، ويتنافسون على الأضواء، ويُدْعون بالكتَّاب والمفكِّرين، مما يُمكن أن يفسِّر لنا غضبَ بعض المثقَّفين المنتمين إليها كأمثال د. الغذامي، الذي سلَب الليبرالية من رِدائها، كما فعَل مع أختها الحداثة مِن قبل، وقاتَل الله زمانًا بدأ يفتخر فيه هؤلاءِ الحمقى بتذبذبهم بيْن تيَّارات مختلفة، كلَّما دخلتْ أُمَّة لعَنَتْ أختها!

وما زلتُ أذكر أشجانَ الشهرستاني وهو يتحسَّر على تنقُّله بين التيَّارات المختلفة قبلَ قرون طويلة:

ولقد فشِلتِ الليبرالية أيضًا في ميادين السياسة، وذلك حينما فشِلَ الليبراليون الذين تربَّعوا على عروشِ الملْك في البلدان العربيَّة؛ حيث لم يحفلْ ملكهم بتقدُّم دِيني ولا دُنيوي، فلعنتْهم شعوبُهم وطردتْهم شرَّ طردة في تونس ومصر وغيرها، وانمحت معه تلك الثرثرةُ بأنَّ الدين لا شأنَ له في السياسة، ممَّا عَكَس صورةَ التخلف على الليبرالية.

كما أنَّ هؤلاء الليبراليِّين فشِلوا في إقناع ولاةِ أمْرنا في السعودية بأنَّ الليبرالية باتتْ ضروريةً لبقاء العيش، وخاصَّة بعدَ نكبتهم في جُمعة الوفاء، والتي تليها وما صاحبَها مِن تصريحاتٍ لسموِّ الأمير نايف، وما تُوِّجت به مِن الأوامر الملكيَّة مِن لدن خادم الحرمين الشريفين، الذي تُعدُّ أوامره صفعةً أخرى في وجه الليبرالية مِن إعادة النظر في نِظام المطبوعات والنشر، ولزوم الأدَب مع علماءِ الشريعة في بلادِنا الغرَّاء.

كما فشِل الفِكر الليبرالي في الجانبِ الاقتصادي؛ حيث شهِد العالَمُ كلُّه ما مُنيت به المصارفُ الرأسمالية من خسائرَ فادحةٍ، اضطرَّتِ الدولة على إثْرها بالتدخُّل في الأسواق المالية في مخالفةٍ صريحة لأبجديات الفِكر الليبرالي الرأسمالي.

وبعدَ هذا الفشلِ الليبرالي المتوالي يُوقِن المسلم الواثق بربِّه وبدِينه أنَّ الليبرالية -وخاصَّة في بلادنا - تحتَضِر لتلفظَ أنفاسها الأخيرة.

وأسأل الله أن يُريَنا الحق حقًّا ويَرزُقَنا اتِّباعه، ويُريَنا الباطل باطلاً، ويرزقنا اجتنابه.



منقول وهذا رابط الموقع وجزا الله خيراً أخانا ضرار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق