الجمعة، 31 مايو 2013

انتشر مقطع للداعية #صالح_المغامسي بعنوان: ماذا يحدث لأبي لهب كل يوم اثنين؟


انتشر مقطع للداعية صالح المغامسي بعنوان:
ماذا يحدث لأبي لهب كل يوم اثنين؟
وذكر فيه المغامسي أن أبا لهب يُخفف عنه العذاب كل اثنين بسبب عتقه لثويبة جاريته لما بشرته بمولد النبي ﷺ ... إلخ
وكثيراً مايستدل بها المتصوفة على مشروعية الاحتفال بالمولد!!


ويستند أرباب هذا القول لما روى البخاري في صحيحه(٤٨١٣) قال:
حدثنا الحكم بن نافع، أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير، أن زينب بنت أبي سلمة أخبرته: أن أم حبيبة بنت أبي سفيان أخبرتها أنها قالت: يارسول الله انكح أختي بنت أبي سفيان.
فقال: (أوتحبين ذلك؟)
فقلت: نعم لست لك بمخلية، وأحب من شاركني في الخير أختي.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن ذلك لا يحل لي) .
قلت: فإنا نحدَّث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة؟
قال: (بنت أم سلمة؟)
قلت: نعم.
فقال: (لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي؛ إنها لابنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وأبا سلمة ثويبة، فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن)..

قال عروة: وثويبة مولاة لأبي لهب، كان أبو لهب أعتقها فأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم، فلما مات أبو لهب أُريه بعض أهله بشرِّ حِيْبة ـ أي: سوء حال ـ
قال له: ماذا لقيت؟
قال أبو لهب: لم ألق بعدكم، غير أني سقيت في هذه بعتاقتي ثويبة..

ورواه عبدالرزاق في مصنفه (٤٧٧/٧)، وفيه:
فلما مات أبو لهب رآه بعض أهله في النوم، فقال له: ماذا لقيت، - أو قال: وجدت -؟
قال أبو لهب : لم ألق - أو أجد - بعدكم رخاء - أو قال : راحة - غير أني سُقيت في هذه مني لعتقي ثويبة، وأشار إلى النقرة التي تلي الابهام والتي تليها ..

وقد قيل: إن الذي رآه في المنام أخوه العباس بن عبدالمطلب..
قال الحافظ ابن حجر:« ذكر السهيلي أنّ العباس قال: لما مات أبو لهب رأيته في منامي بعد حول في شرّ حال فقال: ما لقيت بعدكم راحة، إلاّ أنّ العذاب يخفّف عني كل يوم اثنين، قال: وذلك أنّ النبيّ ولد يوم الاثنين، وكانت ثويبة بشرت (أبا لهب) بمولده فأعتقها وأشار إلى النّقرة التي تحت إبهامه وفي ذلك إشارة إلى حقارة ما سقي من الماء».



وقد أجاب جماعة من العلماء وطلاب العلم والباحثين عن هذه الرواية، وإليك خلاصة ماذكروه بتصرف وزيادات:

١- الدليل الذي استندوا إليه مرسل، أي رواه تابعي ولم يدرك ذلك الزمن، فإن عروة ابن الزبير من التابعين، ولد في خلافة عمر، وقيل: في خلافة عثمان، ولم يذكر من حدثه بهذا كما ذكر ابن حجر، فالخبر إذن لايثبت من جهة الإسناد..

٢- هذه القصة لو صحت فليست آية ولا حديثاً، وإنما هي رؤيا رآها العباس أو غيره، ورؤى غير الأنبياء لاتبنى عليها الأحكام بالإجماع..

٣- إذا كان من رأى الرؤيا هو العباس فمن المعلوم أنه لم يسلم إلا عام فتح مكة، والرؤيا وقعت قبل ذلك بسنين، بمعنى أن العباس رآها وهو مشرك لم يسلم بعد، فالرائي وقت الرؤيا والمرئي مشركان!!

٤- رواية البخاري ليس فيها أن أبا لهب أعتق ثويبة يوم مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما بشرته بمولده، وليس فيها أن الذي رأى أبا لهب في المنام هو العباس رضي الله عنه، بل هذا كله جاء في رواية السهيلي بلا إسناد! الروض الأنف(١٩٢/٥)..

٥- القول بأن اعتاق أبي لهب لثويبة كان عند ولادة النبي صلى الله عليه وسلم يخالف ما عند أهل السير من أن إعتاق أبى لهب إياها كان بعد ذلك بدهر طويل ، كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في الفتح (١٤٥/٩)، والإصابة(٢٠٥/٤)، وابن عبد البر في الاستيعاب(١٢/١) وابن الجوزي في الوفا بأحوال المصطفى(١٠٦/١)..

٦- على فرض ثبوت جواز جزاء الكافر على أعماله الحسنة في مثل هذه الحالة، فإنها تنصرف ـ كما في الرواية ـ إلى الإعتاق الذي هو عبادة في الشرع، وليس إلى فرحه بولادة النبي ﷺ، والفرح الذي فرحه أبو لهب بمولود لأخيه فرح طبيعي لا تعبدي، إذ كل إنسان يفرح بالمولود يولد له، أو لأحد إخوانه أو أقاربه، والفرح إن لم يكن لله لا يثاب عليه فاعله، وهذا يؤكد ضعف هذه الرواية وبطلانها ..


قال ابن حجر في الفتح(١٤٥/٩):
[وفي الحديث دلالة على أن الكافر قد ينفعه العمل الصالح في الآخرة، لكنه مخالف لظاهر القرآن، قال الله تعالى (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً)؟
وأجيب أولًا: بان الخبر مرسل، أرسله عروة ولم يذكر من حدثه به، وعلى تقدير أن يكون موصولًا فالذي في الخبر رؤيا منام فلا حجة فيه، ولعل الذي رآها لم يكن إذ ذاك أسلم بعد فلا يحتج به ...]

ونَقل عن القاضي عياض قوله: [انعقد الإجماع على أنّ الكفار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب؛ وإن كان بعضهم أشد عذاباً من بعض]..

وقد ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت:
قلت: يا رسول الله! ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذاك نافعه؟
قال: [لا ينفعه؛ إنه لم يقل يوماً رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين]

وروى مسلم أيضاً عن أنس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
[إن الله لا يظلم مؤمناً حسنة، يعطى بها في الدنيا، ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها].

تنبيه:
قد يستدل بعضهم بجواز تخفيف العذاب عن أبي لهب كما حصل لأبي طالب ..
ففي الصحيحين عن العَبَّاس قال: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللّهِ! إِنَّ أَبَا طَالِبٍ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَنْصُرُكَ فَهَلْ نَفَعَهُ ذلِكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ, وَجَدْتُهُ فِي غَمرَاتٍ مِنَ النَّارِ فَأَخْرَجْتُهُ إِلَى ضَحْضَاحٍ»

فيقال: ما حصل لأبي طالب إنما هو بسبب شفاعة النبي ﷺ، وهذا ثابت بالنص الصحيح الصريح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس برؤيا منام مرسلة!!
فلا مجال للتشبيه والمقارنة بينهما بحال ..


والخلاصة:
أن هذه القصة لاتصح من أصلها، وأما كون التخفيف يحصل يوم الاثنين فهو أشد ضعفاً وبطلاناً، ولم يأت بسند صحيح ولا ضعيف، فمثله لايلتفت إليه فضلاً عن أن يحتج به ..
وعليه: فلا يصح نشرها بين الناس ولا اعتقاد ما ورد فيها، لأن اعتقاد شيء ما مبني على ثبوته وصحته، وهذا غير موجود فيما نحن بصدده ..



ينظر:
رسائل في حكم الاحتفال بالمولد النبوي ١٢٠/١ و ٣٦٨ و ٤٨٥/٢
حوار مع المالكي للمنيع صـ ٤٤-٤٦


إعداد: حسام بن عبدالله الحسين
الجمعة ١٤٣٤/٧/٢١

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق