الثلاثاء، 18 يونيو 2013

ابن القيم وهو يصف حاله وحال السابقون المقربون

يقول ابن القيم رحمه الله
( وأما السابقون المقربون : فنستغفر الله الذي لا إله إلا هو أولا من وصف حالهم وعدم التصاف به ، بل ما شممنا له رائحة )


( فوائد معرفة حال السابقين المقربين ) :
منها : أن لا يزال المتخلف المسكين مزريا على نفسه ذاما لها .

ومنها : أنه لا يزال منكسر القلب بين يدي ربه تعالى ذليلا له حقيرا يشهد منازل السابقين وهو في زمرة المنقطعين ، ويشهد بضائع التجار وهو في رفقة المحرومين .

ومنها : أنه عساه أن تنهض همته يوما إلى التشبث والتعلق بساقة القوم ولو من بعيد .

ومنها : أنه لعله أن يصدق في الرغبة واللجأ إلى من بيده الخير كله أن يلحقه بالقوم ويهيئه لأعمالهم فيصادف ساعة إجابة لا يسأل الله عز وجل فيها شيئا إلا أعطاه .

ومنها : أن هذا العلم هو من أشرف علوم العبادة ، وليس بعد علم التوحيد أشرف منه، وهو لا يناسب إلا النفوس الشريفة ، ولا يناسب النفوس الدنيئة المهينة ، فإذا رأى نفسه تناسب هذا العلم وتشتاق إليه وتحبه وتأنس بأقله فليبشر بالخير فقد أهل له ، فليقل لنفسه : يا نفس ، فقد حصل لك شطر السعادة فاحرصي على الشطر الآخر ، فإن السعادة في العلم بهذا الشأن والعمل به ، فقد قطعت نصف المسافة فهلا تقطعين باقيا فتفوزين فوزا عظيما .

ومنها : أن العلم بكل حال خير من الجهل ، فإذا كان اثنان أحدهما عالم بهذا الشأن غير موصوف به ولا قائم به ، وآخر جاهل به غير متصف به فهو خلو من الأمرين ، فلا ريب أن العالم به خير من الجاهل ، وإن كان العالم المتصف به خيرا منهما فينبغي أن يعطي كل ذي حق حقه وينزل في مرتبته .

ومنها : أنه إذا كان العلم بهذا الشأن همه ومطلوبه فلا بد أن ينال منه بحسب استعداده ولو لحظة لو بارقة ، ولو أنه يحدث نفسه بالنهضة إليه .

ومنها : أنه لعله يجري منه على لسانه ما ينتفع به غيره بقصده أو بغير قصده ، والله لا يضيع مثقال ذرة فعسى أن يرحم بذلك العامل .

وبالجملة ففوائد العلم بهذا الشأن لا تنحصر فلا ينبغي أن تصغي إلى من يثبطك عنه وتقول : إنه لا ينفع بل احذره واستعن بالله ولا تعجز ولكن لا تغتر ، وفرق بين العلم والحال ، وإياك أن تظن أن بمجرد علم هذا الشأن قد صرت من أهله ، هيهات ما أظهر الفرق بين العلم بوجوه الغنى وهو فقير وبين الغني بالفعل ، وبين العالم بأسباب الصحة وحدودها وهو سقيم وبين الصحيح بالفعل .

من كتاب طريق الهجرتين لإبن القيم رحمه الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق